الجمعة، 26 سبتمبر 2014

فضل عشرة أيام من ذي الحجة



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته




بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين على كل خير وفلاح




أما بعد : فقد كتب الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله- :






فضائل عشر ذي الحجة




نعيش هذه الأيام موسماً مُباركاً عظيماً وميداناً للطّاعة فسيحا ينبغي على المسلم أن يعظِّم أمره وأن يُعلي شأنه وأن يحافظ عليه تمام المحافظة وأن لا يجعل أيامه المباركات وساعاته الثمينات تمضي سُدى أو تضيع هباء ويندم بعدئذ ولا ينفع النّدم، إنَّها عشرة أيام مباركات هي خير الأيام وأفضلها وأجلّها وأعظمها ، شرَّف الله جلّ وعلا قدرها وأعلا شأنها وعظّم من مكانتها فأقسم بها عزّ شأنه في كتابه قال الله جلّ و علا : {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر:1-2 ] ، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره : هي العشر الأوَل من شهر ذي الحجّة .



وقد اختلف العلماء أيُّ العشرين أفضل ؛ العشر الأول من شهر ذي الحجة ؟ أو العشر الأخَر من شهر رمضان المبارك ؟ والتّحقيق في ذلك في قول جماعة من المحققين من أهل العلم : أنّ العشر الأيام الأوّل من شهر ذي الحجة هي خير أيام السنة على الإطلاق ، والعشر الليالي الأخيرة من شهر رمضان هي خير ليالي السنة على الإطلاق ؛ وفي الليالي الأخيرة من شهر رمضان ليلة القدر خير الليالي ، وفي العشر الأوَل من شهر ذي الحجة يوم عرفة سيّد الأيام وخيرها.



وقد جاء عن
نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث الحثُّ على العمل الصالح في العشر الأول من شهر ذي الحجة وبيَّن عظيم ثواب ذلك عند الله وعظيم أجره عنده سبحانه ، ففي صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ - يَعْنِي الْعَشْرِ الأول من ذي الحجة - قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَوَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ )).



عباد الله : وقول نبينا عليه الصلاة و السلام
: ((الْعَمَلُ الصَّالِحُ)) عامٌ مطلق يتناول جميع الأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات وأنواع القربات لا يُخصّ من ذلك بنوع بل يعتني العبد في هذه العشر المباركات بالأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات ، وأعظم ما يتقرب به العبد إلى الله فرائض الله جل وعلا وأعظم ذلكم الصلاة المكتوبة ، ففي الحديث القدسي يقول ربنا عز وجل : ((مَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ )).



ومما تمتاز به هذه العشر المباركات : أنها من بين سائر أيام العام تجتمع فيها أمهات العبادات مما لا يتأتّى في غيرها من الأيام ؛ فيجتمع في هذه العشر المباركة الصلوات والزكاة والصيام وحج بيت الله الحرام ، ولا يمكن أن تجتمع هذه الأمهات من العبادات في غير هذه العشر المباركات .



وإنّ مما يجمُل بالمسلم ويحسُن به في هذه العشر المباركة أن يُري الله سبحانه وتعالى من نفسه خيراً ؛ بالتبكير للمساجد والحرص على الإتيان إليها في وقت مبكر بسكينة وطمأنينة ووقار مع تلاوةٍ لكلام الله وذكرٍ له جلّ وعلا وملازمةٍ للاستغفار وأداء للصّلوات المفروضة في أوقاتها وعناية بالصلاة الراتبة والصلاة المطلقة وأن يكون ذاكراً لله معتنياً بحمده جلّ وعلا وتهليله وتكبيره ؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث من ذلك في العشر الأوَل ،
قال عليه الصلاة والسلام : (( فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ )) رواه الإمام أحمد.



ومن الأعمال الصالحات التي يشرع للمسلم العناية بها في هذه العشر الصيام ، جاء في المسند عن
أبي أمامة رضي الله عنه: (( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ. قَال: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لاَ مِثْلَ لَهُ)) . والصيام جُنّةٌ يتقي به العبد سخط الله وعذابه ، ويتقي به الذنوب والآثام .



ومما يشرع للمسلم في هذه العشر المباركات الصدقات بأنواعها وبذل الإحسان وصلة الأرحام والبر بأبوابه الفسيحة ومجالاته الواسعة .



ومن الأعمال الصالحة التي يشرع للمسلم العناية بها في هذه العشر المباركة أن يتقرب إلى الله جل وعلا بنحر ضحيته في يوم النحر - اليوم العاشر من هذه الأيام - تقرباً إلى الله وطلباً لثوابه ؛ فإنّ الحجاج - حجاجَ بيت الله الحرام - يتقرّبون إلى الله في يوم النحر بنحر الهدايا ، والمسلمون في البلدان يتقرّبون إلى الله جلّ وعلا بنحر وذبح الضحايا.



وقد جاء في صحيح مسلم عن
نبيِّنا عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ )) ، وفي رواية : ((إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا )) ؛ رواية فيها أمرٌ بالإمساك ورواية فيها النهي عن الأخذ من الشعر والأظافر ؛ والأمر الأصل فيه للوجوب والنهي الأصل فيه للتحريم ، ولهذا فإنّ مَنْ أراد أن يُضحّي فعليه إذا دخلت العشر أن لا يأخذ من شعره ولا من أظافره شيئاً ، وهذا حكم خاص بمن أراد أن يضحي أما أهله وأولاده ومن يضحي عنهم فإنه لا يشملهم ذلكم الحكم ، و قد قال العلماء في الحكمة من ذلك أن المضحي عندما شارك الحاج في بعض أعمال الحجّ أُمر بمشاركتهم في شيء من محظورات الإحرام ليبقى المسلمون - حجاجاً وغير حجاج - على صلةٍ بالله معظمّين لشعائر الله قائمين بطاعة الله جلّ وعلا يرجون جميعهم رحمة الله ويخافون عذابه ، والله جلّ وعلا يقول: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } [الحج: 32 ] .



ومن الطاعات العظيمة في هذه العشر حج بيت الله الحرم، وهو فريضةٌ على كلِّ مسلم ومسلمة في حياته كلها مرة واحدة وما زاد على ذلك فهو تطوع لما صحَّ عن
نبيِّنا عليه الصلاة و السلام أنه قال: (( الْحَجُّ مَرَّةٌ فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ)) ، ويجب على من لم يؤد هذه الفريضة أن يبادر إليها وأن يسارع لأدائها فإنه لا يعلم ماذا يعرِض له.




وفي الحج تقال العثرات وتكفّر الخطيئات ، وفيه عتقٌ من النار ولله جلّ وعلا عتقاء من النار أعداد لا يحصيهم إلا الله جلّ وعلا وذلك في يوم عرفة ، فما أكثر ما يعتق الله جلّ وعلا في ذلك اليوم المبارك من النار،
((وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ )) ، و ((مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ من ذنوبه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))


ونسأل الله جل وعلا أن يستعملنا أجمعين في طاعته وما يقرّب إليه وأن يصلح لنا شأننا كلَّه وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيما، وصلّى الله وسلم و بارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .












فضل عشرة أيام من ذي الحجة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق