الاثنين، 8 ديسمبر 2014

شرح اسم الله ( الحفيظ والحافظ ) .





شرح اسم الله




( الحفيظ والحافظ )





د. أمين بن عبدالله الشقاوي







الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد :





روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ"[1] ومن أسماء الله الحسنى التي وردت في الكتاب العزيز (الحفيظ والحافظ)، قال تعالى : ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [هود: 57]. وقال تعالى : ﴿ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ[سبأ: 21].





وأما الحافظ فقد ورد في قوله تعالى : ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]. وقال تعالى : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].





قال الخطابي : هو الحافظ يحفظ السماوات والأرض وما فيهما لتبقى مدة بقائها فلا تزول ولا تَندَثِرُ، كقوله تعالى : ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].





وقال تعالى : ﴿ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ﴾ [الصافات: 7].





وقال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41].





وهو - سبحانه - يحفظ عبده من المهالك ومن مصارع السوء كقوله تعالى : ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11].





أي بأمره، ويحفظ على الخلق أعمارهم ويُحصي عليهم أقوالهم ويحفظ أولياءه فيعصمهم عن مُواقَعَةِ الذنوب ويحرسهم من مكائد الشيطان ليسلموا من فتنته وشرِّه[2].




ومن آثار الإيمان بهذين الاسمين العظيمين :





أولًا : أن الحافظ لهذه السماوات السبع والأرضين وما فيها هو الله وحده لا شريك له، وهو - سبحانه - يحفظ السماء أن تقع على الأرض، قال تعالى : ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 32]. وقال - سبحانه -: ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [الحج: 65].





ثانيًا : أن الله - سبحانه - يحفظ أعمال عباده فلا يضيع منها شيئًا ويوافيهم بها يوم الحساب، وفي الحديث القدسي : "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا"[3].





وقال تعالى :
﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ﴾ [النبأ: 29].



وقد وَكَّلَ بهذه الأعمال حَفَظَةً كِرامًا من الملائكة، قال تعالى :
﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12].





ولا يسقط من الصحف شيئًا ولو صغر، قال تعالى :
﴿ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا[الكهف: 49].






ثالثًا : أن الله تعالى هو الذي يحفظ العبد من الشرور والآفات ويحفظه من عقابه وعذابه إن هو حفظ حدود الله واجتنب محارمه، قال تعالى : ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34]. فبحفظهن لدين الله، ولحفظهن بالغيب حقوق أزواجهن من عرض، أو مال، أو ولد، أو غير ذلك حفظهن الله، روى الترمذي في سننه من حديث عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ"[4].





رابعًا : مدح الله - سبحانه - الذين يحفظون حقوقه وحدوده، فقال بعدما ذكر بعضًا من صفاتهم : ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112].





وقال تعالى : ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 32، 33].





ومما يلزم المؤمن حفظه رأسه، وبطنه، وحفظ الرأس يدخل فيه حفظ السمع، والبصر، واللسان، من المحرمات، وحفظ البطن يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على مُحَرَّمٍ، قال الله تعالى : ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ﴾ [البقرة: 235].





وقد جمع الله ذلك كله في قوله : ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].





ويدخل في حفظ البطن حفظه من إدخال الحرام إليه من المأكولات والمشروبات. ومما يجب حفظه من المَنهِيَّاتِ حفظ اللسان والفرج، قال تعالى : ﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ[الأحزاب: 35].





روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : "مَنْ حَفِظَ مَا بَيْنَ فَقْمَيهِ وَفَرْجَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ"[5].





خامسًا : أن من أعظم ما يجب على المسلم حفظه من حقوق الله (التوحيد) فإن من حفظ هذا الحق حفظه الله يوم القيامة وأَمَّنَهُ من عذابه، قال تعالى : ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].





روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث معاذ- رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ : "هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ : "فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًافَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ : "لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا"[6].





وبالجملة فإن المؤمن مأمور بحفظ دينه أجمع، وكلما كان المؤمن لدينه أحفظ كان حفظ الله له أعظم، قال تعالى : ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ[البقرة: 40].





سادسًا : أن المحفوظ هو ما حفظه الله - سبحانه - وتعالى - وشاء له أن يُحفظ، وأما من شاء الله أن يضيع أو يتغير فإنه ضائع لا محالة، وقد تَكَفَّلَ الله بحفظ كتابه العزيز من التغيير، والتبديل إلى يوم القيامة، قال تعالى : ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9][7].




والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.





**************************





[1] برقم 2736؛ وصحيح مسلم برقم 2677.



[2] شأن الدعاء ص67-68.



[3] جزء من حديث في صحيح مسلم برقم 2577.



[4] برقم 2516، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.



[5] (32/330)برقم 19559 وقال محققو المسند صحيح لغيره.



[6] برقم 2856؛ وصحيح مسلم برقم 30.



[7] انظر المنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للنجدي (1/339-354).












شرح اسم الله ( الحفيظ والحافظ ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق